Saturday, December 24, 2011

العوده الى الثكنات ... فعلا؟

بعد تعدد مهازل اشتباكات افراد الجيش فى مواجهات مسلحه مع متظاهرين مدنيين و ما تخلل تلك المواجهات من مشاهد مخزيه اربكت معظم المواطنين ممن لديهم حب فطرى للجيش و اشفق الجميع من عواقب تكرار تلك المواجهات و ما يتبعها من قله قيمه للجبش فطالب المخلصون بأن يعود الجيش الى ثكناته و بلاش تهريج (طبعا هناك من طالب بالمزيد من المواجهات و لكن مع تعليه مستوى القمع و الشده علشان ده شعب ميجيش غير بكده)
عموما عوده الجيش الى ثكناته طالب بها من يروم الى حكم الدوله المدنيه و ان التخلص من المكنوس مبارك لم يكن لتمهيد الطريق الى المجلس الاعلى علشان يقعد و يبرطع و طالب بها ايضا من ركب الموجه  و تحالف مع العسكر مستغلا جهلا مستشريا و عقول متورمه عاطله عن التفكير عند اعضاء المجلس حتى سلموه البلاد تسليم مفتاح و طالب بها ايضا بعض الناس ممن اطلق عليهم العفافات شعيبات نسبه الى المفكره الغذائيه الشهيره و يستندون الى فكره ان اسرائيل خلاص على الحدود و بتضرب غزه و بتهود القدس علشان الجيش حاطط مدرعاته و دباباته امام ماسبيرو و مفيش حاجه على الحدود.
الواقع ان الجيش المصرى لا يختلف عن اى مؤسسه مصريه فى عهد المكسور وراه 90 قله مبارك, بمعنى انه يمكنك التحدث بلا اى حرج عن جهل مفزع و كفاءه منتج صينى درجه عاشره اما الفساد المالى فاعتقد انه يفوق الحزب المنحل نفسه فى هذا المجال
عندما تم تجنيدى كجندى لمده عام و تم توزيعى للخدمه فى القوات البحريه ,قضيت الخدمه متنقلا بين وحدتين مختلفتين و هما استراحه خاصه بقائد القوات مطله على النيل فى القاهره و بها فندق و كنت فى مكتب الاستقبال الخاص بالفندق و الاخرى كانت فى قاعده راس التين البحريه بالاسكندريه و كنت جندى.. احم ... نظافه و خدمات فى فوج المقر
لا ازعم ان العام مر سريعا و ان به ايام متتنسييش ... يشهد بعض اصدقائى حتى الان ان كل يوم كان له قصه و قابلت من لم اكن اتخيل لا ان اقابله يوما بل ان مثله يعيش على نفس الكوكب , و تأكدت فعلا ان مقوله مصنع الرجال لا صحه لها على الاطلاق بل العكس هو تمام الصحه, فلكى تعدى ايامك فى الجيش عليك ان تتعلم صلطحه القفا و ان تصبح من الزواحف ذات الجلد السميك ممن لا تلذق بهم الشتائم او الاهانات اما اذا كانت مؤخرتك حساسه فعليك بالتمربن حتى تصبح كالاسفنجه فلا تتألم من الركلات و الصفعات . اما اذا كنت تعيسا سىء الحظ ممن ولدوا فلم يجدوا محجوب عبد الدايم ابا يعلمهم جاده الصواب بل وجدوا ابا مؤذيا يعلمهم الكرامه و ازاى تحترم نفسك بابنى و ام تؤمن بالتعليم و الثقافه و لك نصيب منهما فلكم ستعانى فى الثكنات !
لا اعلم كيف بمكننى نقل بعض ما رأيت فى الثكنات سوى عن طريق بعض المواقف من الاف تذخر بهم الذاكره علنى اشجع على ان ننظر بواقعيه الى امكانيات تلك المؤسسه العزيزه حتى نكف عن خداع انفسنا و حتى نيقن ان صلاح و تطور الجيش يجب ان يكون اولويه لدينا لا ان نكتفى بان يعود الى الثكنات بلا اى اصلاح و نعود نحن لنعيش فى عالم سمسم تاركين الثكنات على حالها و لكم ان تتخيلوا كم من كفاءات بتلك الثكانات.


1.       الكفاءات العقليه:

حدثت تلك الواقعه فى عنبر فوج المقر عندما تشاجر احد الجنود مع زميله النائم على الجزء الاعلى من السرير و كان بجانب نافذه مفتوحه, لا اعلم علام كانوا يتشاجرون بالضبط لكن العسكرى النائم لم يكترث بالنهوض من رقاده و اكتفى بتكرار سب الدين للاخر محذرا انه مش عايز يقوم علشان هو مراعى ان امه عايزاه. لم يكن المشهد نادر الحدوث او حتى غريبا فلم اكترث و صرفت نظر و نزلت لتسلم خدمه البوابه و انا فى غايه القرف , كانت البوابه تحت النافذه الخاصه بالعنبر و كانت مطله على اونكس الزباله (الاونكس هو اسم يطلق على صندوق الزباله البلاستيك الضخم) استلمت السلاح و عديت الذخيره و اخذت موقعى متمللا و اخيرا لاحظت ان صوت المشاجره مستمرا, لم يحدث اى تطور فى سير المشاجره : سب دين مستمر من النائم و تهديد ووعيد من الاخر بأن شكله كده حيعملها معاه , صرفت نظر و اذكر نفخى ضيقا بأنى ساقف فى تلك الخدمه اللعينه 4 ساعات و ان الجو البارد بدأ يشتد (كنا فى ديسمبر و لم اكن رأيت ديسمبر فى اسكندريه من قبل) فجاءه دوى صوت رهيب لسقوط شىء من اعلى فى اونكس الزباله , جاء عسكرى امن الوحده مهرولا و هو يصيح فى: اىىىه يا دفعه؟ ايييه اللى حصل؟
هزيت كتفى و رأسى انى والله مش عارف بس فيه حاجه وقعت من فوق فى الزباله, نظرنا سويا لنجد العسكرى النائم يحاول الخروج من الاونكس , اندفع عسكرى الامن محاولا الفهم و السيطره على الموقف : ايييه ده؟ انتا وجعت ازاى يا دفعه من فوج؟ ... لم افهم صحيح كيف سقط من نافذه الدور الثانى الا انه دفع عسكرى الامن جانبا مما ادى الى سقوطه و جرى مهرولا الى اعلى صائحا: والمصحف لاطلع دين .... با ابن المت...
لم افهم ما نوع هذا البنى ادم اللى سقط من الدور الثانى فى الزباله و يخرج سليما و لا يجد الوقت لكى يطمئن على سلامته او حتى لكى يفهم ما حدث (لا اتصور ان القاءه فى الزباله من الدور الثانى امر روتينى اطلاقا) بل ينطلق بسرعه لكى يكمل المشاجره , مره اخرى صرفت نظر و فكرت ان امامى 4 ساعات و مازلت واقفا فى الخدمه!

2.       كفاءات قتاليه:

و كنت ايضا فى فوج المقر هاربا من عمليه توزيع خدمات ابتلعت جميع العساكر فى الوحده ماعدا حوالى 8 عساكر و اجتمعنا نختبىء فى الميز نشاهد التلفزيون (لم يكن التلفزيون ممتعا قط فالعسكرى المسؤول عن الريموت كنترول كان يتبع برنامج صارم فى متابعه التلفزيون: من الفجر حتى الساعه 10 قناه الفجراو الناس او الزفت ثم روتانا زمان حتى الساعه 2 و بعد كده بقى قناه الدهبيه و هى قناه لم اسمع عنها من قبل تعرض سيدات بدينات يرقصن على موسيقى خليجيه و هو ما كان يلقى اعظم القبول عند المتفرجين )
المهم طب علينا نقيب (مش مخله) و صاح بأن يلا ياد انت و هو على عربيه الحمله فورا, طبعا لعنت سنسفيل اهله و سنسفيل حظى اللى معرفش لبسنى فى ايه دلوقتى! انطلقت بنا السياره الى ميدان الرمايه و اذكر جيدا الجو البارد و انها كانت تمطر مما جعل ارض طابور الرمايه وحلا لكن طبعا اضررت على الجلوس عليه بالعا اى قرف اشعر به, صاح النقيب باننا على وشك البدأ فى" تمرين رمايه ميدانى نهارى اول" يعنى ايه الكلام ده؟ يعنى ذخيره حيه ياولاد الاح.. و انه لن يقبل اى علوق.. من اى عسكرى خ..
جاء الصول و اخبرنا انه عندنا حوالى 1500 طلقه للتمرين ده بس مفيش غير 8 عساكر فكل واحد يتنيل يسترجل و يخلصنا علشان نمشى , كان عدد الطلقات المطلوب اطلاقها كبير جدا فقبل هذا اليوم لم اضرب سوى 3 طلقات بالالى فى مركز التدريب و قد كرهت البندقيه الالى جدا لصوتها العالى اولا و ثانيا لقوه ارتدادها فى كتفى و اخيرا لرائحه البارود الكريهه فلم اتخيل كيف ساطلق خزنه كامله بدون توقف و كمان عايزنى انشن على هدف ؟!
ايه ده يا حبيبى؟ هو انت لسه حتشنلى؟ يلا باله اضرب فى المليان و خلصنا!!
اذن العمليه ما هى الا التخلص من الطلقات لانها مكتوبه على ذمه التمرين و الموضوع كله تستيف ورق ليس الا! اغمضت عينى علنى استطيع اغماض اذنى و ضغطت على الزناد وانطلق الرصاص مدويا يصيب كل المنطقه المحيطه بالهدف (الغريب ان الهدف لم يمس بأى طلقه مما جعل الصول يفكر جديا بأنى قاصدها) انتهت الخزنه الاولى و سلمتها مع جمع الفارغ و عده جيدا ثم استلمت الخزنه الثانيه و قبل ان اضغط الزناد شعرت بقطعه نار تلسعنى فى مؤخره عنقى (قفايا) فقفزت انفض نفسى مما اثار الصول الذى ادرك فورا ان مظروفا فارغا استقر فى ملابسى جراء اطلاق عسكرى مجاور لى النار . امر الصول بوقف اطلاق النار فورا حتى نعد الفارغ لانه عهده . جاء النقيب و امر بان العساكر تقلع و تنفض هدومها علشان لو فى حاجه هنا ولا هنا! طبعا خلع الملابس فى الجو البارد و تنفيضها حتى نعثر على فارغ طلقه لانه عهده رغم ان الطلقه نفسها تم اطلاقها فى الهواء و بلا اى قيمه جعلنى على شفا الدخول فى انفجار شتايم لكنى كتمت و نفضط القميص باحثا عن الفارغ علشان اخلص من ولاد الكلب دول.

3.       كفاءه ماليه:

كان مدير الفندق البحرى بالقاهره عقيدا و قد اثر فى هذا الرجل تأثيرا فعلا قويا, فلو اكتشفت مستقبلا اى اثر لمرض معضل و غير وراثى اصبت به ففعلا سأعيد الفضل لهذا الشخص
عموما استدعانى العقيد فى مكتبه فهرولت الى الداخل وانا اتسأل عن اى مصيبه سيحملنى مسؤليتها و يهبدنى بسببها اى جزاء , دخلت المكتب فوجد الصول هيكل مراقب الحسابات واقفا يتلقى اقذع الاهانات و يرتجف متصببا عرقا.
عاجلنى العقيد صائحا: ايه اللى انت مهببه ده يا بيه
أنا: .... اتفضل يا فندم (كنت اتجنب كلمه اؤمر يافندم بكلمه اتفضل و لكنها لم تكن تخيل عليه و كان غضبه يشتد و يستفز مما زاد من رغبتى فى استخدامها و تصنع العبط بعد كده)
العقيد: انت مسكن كل الغرف لمدنيين يا بنى ادم؟؟
الصول هيكل متدخلا: معلش يافندم غلطه و حيصلحها
رديت بعنف منفعلا من كسكسه هذا الصول الخدام و كمان لانى بدأت اتنرفز من الموقف لآنى ايقنت من ان فيه جزاء حينزل عليا و انا اصلا مش فاهم فين الغلط اصلا : يافندم سيادتك لسه ماضى على دفتر الحجز (يعنى متسطعبطش يا روح خالتك)
العقيد: وانا يعنى المفروض اننا اراجع وراك ؟؟ انت حتحاسبنى يا بنى؟ لآلآلآ 3 ايام حجز اشلاق و مش حتمشى غير لما تصلح الدفتر ده كله من اول السنه (كنا فى شهر 7 )
خرجت و ضغطى يصيبنى بدوار و عدت الى مكانى فى الاستقبال حتى اتى الصول زفت معتذرا: يا هاشم متضايقش نفسك كده لحسن يجيللك سكر ولا ضغط, ارمى ورا ضهرك ولا يهمك
سألته: هو ايه اصلا الموضوع؟
ابتسمت اسنانه النخره و ضاقت عينين الفلاحين الخبيثه و همس لى بكلام برائحه الكليوبطره البوكس: اصلك متعرفش ان الشعبه الماليه هتبعت تفتيش و انت عارف ان المدنى بيتحاسب اعلى بكتير من العسكرى فمينفعش تسكن الفندق كله مدنيين
_ و انا اعمل ايه يعنى اذا هو اللى بيقوللى اسكن مين و مين لا!
_ولا اى حاجه, هى اصلا مش غلتطك بس انت بس هتعمل وصولات جديده لعدد معين من الغرف المدنيه و تخليها عسكريين وانا هديك الاسامى
_ طب والفرق يا صول هتحطه فين؟
انزعج الصول و رد بسرعه : دى حنشوفها بقى مع العقيد. ثم اردف: يمكن نحط الفرق فى فلوس الجامع يعنى متقلقش!!
(يلا يا بن الكلب يا لص انت و سى زفت اللى جوه): المهم عايزنى اقعد ابدل فى وصولات؟ و أألف فى اسامى؟
و فعلا امضيت الثلاث ايام ماضيا فى تلك المهمه حتى انتهيت من ال7 شهور كلها و اديت تمام للعقيد بانتهاء المهمه و انا غايه فى القرف الا انى اعتبرت الموضوع عدى خلاص حتى فوجئت بالعقيد بعد انتهاؤه من مراجعه الدفتر بسالنى: عرفت غلتطك يابنى ولا لسه؟
ذاهلا نظرت اليه وانا مش مصدق انه بهذه البجاحه الا انه رد نظرتى بانه فعلا بهذه البجاحه و اكتر كمان
بلعت ريقى و بوجه محتقن رددت و انا اعلم بعاقبه ردى: ....... غلطه ايه يا فندم؟ مكانش فيه غلطه من عندى
ابتسم اللعين و بهدوء قال: طب كمان 3 ايام حجز فى القشلاق يابنى.

4.       احلى من الشرف مفيش (مصنع الرجال):

فى مركز التدريب تعرفت على قبارى و هو قذاره و جراثيم متنكره فى شخص عسكرى من اسكندريه. قبارى كان دائم التساؤل عن عادات النظافه الشخصيه التى كنت اتبعها مثل سؤاله لى عن سبب استحمامى و ليه مأكلتش هو انا قرفان ولا ايه ... الخ, لم تكن تثنيه ردودى الودوده مثل وانت مال اهلك او اجرى يله من قدامى عن التساؤل. عموما انا تأكدت ان قبارى غالبا بيتريق عليا من وراء ظهرى و لكنى لم اكترث حتى جاء يوم و تم توزيعنا على خدمه واحده و هى غسل سرفيسات الطعام ( هى صينيه من المعدن يوضع فيها الطعام لكل عسكرى) تم توزيع 50 سرفيس على كل واحد و اخبرنا الصول ان اللى حيخلص مش حيعمل حاجه باقى اليوم.
انطلقنا الى الحمام حامليين السرفيسات (كنا 5 عساكر) لكن للاسف وجدت الحمام به صنبورين فقط فانتظرت حتى ينتهى احدهم الا ان قبارى لم يهتم بذلك و دخل متوجها الى الكنيف (الحمام البلدى) ووضع السرفيسات عليه وامسك الشطافه (خرطوم منبثق من حنفيه صغيره) و انهمك ابن الكلاب الوسخ يغسل ما سيأكل فيه غدا
تسمرت فى مكانى مذهولا و لمح وقفتى العسكرى الخامس فادركت انه يريد ان يعرف ان كنت سأستخدم المصدر الاخير للمياه فى الحمام (و كانت المبوله) ولا يخش هو يتعامل!
سألته : انت عايز تعمل زى البهيم ده و تغسل فى المبوله؟
صاح قبارى ضاحكا: يا عم مالكش انت فى الشغلانه دى اصلها عايزه رجاله ولا مؤخذه
حتى اليوم تظل تلك الذكرى الاكثر ايلاما لى الا انه مع مرور الايام تصادف ان مررت بوحده ما و كانت وحده مجاوره للفوج ولا اذكر سبب ذهابى بالضبط الا انى التقيت هناك بقبارى جالسا و زملاؤه يسخرون منه, سألت عن السبب فعلمت ان قبارى ده جاب وسطه و اصبح عسكرى مراسله للعميد و كان مظبط حاله معاه على الاخر لولا ان دبت الغيره فى قلب احد الصولات (و كان مسؤولا عن تربيه بط سياده العميد!) فافسد الصول بين قبارى و العميد فطرده الاخير من المراسله.
ما جعل الجميع يسخر من قبارى هو ما تلى ذلك من محاولات قبارى المضحكه و المذله حتى يعود لخدمه العميد كمراسله مثل هروبه من طابور الغذاء حتى يكون فى انتظار العميد على باب الجامع ممسكا بحذائه او محاولاته المستمره لرشوه عسكرى الكانتين حتى يقوم الاخير بالتبليغ بنفاذ البن و يقوم قبارى بعمل واحد قهوه تعدل مزاج سياده العميد او احتفاظه دائما بفوطه نظيفه يحتفظ بها عند السكرتاريه المجاوره للحمام حتى يلتقطها و يكون فى انتظار العميد خارج الحمام بها.
لمحته فقلتله : ازيك يا قبارى... فاكرنى؟
بصلى و بحنق تذكر قرفى منه الذى لم احاول يوما تخبئته و صاح: هو انت لسه مخلصتش؟ يا بنى الجيس ده للرجاله بس. 

هاشم فؤاد
ديسمبر 2011